لكل مخلوق نغماته المتفردة.. وهي مزيج تراتيله وعطره.. تنساب النغمات إلينا بسهولة كالمعجزة، إذا رحبنا بها وتذوقناها على مهل.. وأحيانا تتسلل وتستقر داخلنا على جنب!! دون إعلان أو إزعاج، رغم أنها أسرع من يلبي احتياجاتنا النفسية، ويضمد جراحاتنا ويعزينا عن بُعد!!
سمير غانم ودلال عبد العزيز، ثنائي موهوب قدم كونشيرتو الكمان والبيانو ببراعة تضاهي الفطرة.. سمير ظل يعزف طول عمره بعفوية الطفل الذكي الشقى الذي لن يتركك إلا ضاحكا، او على الأقل يبدد ثورة غضبك أو شدة حزنك، يتركك هادئا قادرا على إعادة النظر فيما كدرك، وهل يستحق!! لأنه عازف ورسام "بهلوان"، يمزج فنونه بإصرار على اختراق آلامك بمخدر المرح والتسامي، فتنجلي النفس وتستعيد هدوءها وقدرتها على شحن الارادة ببنزين الرضا والتسامح.. ولأن هذا البهلوان إنسان متفرد، فقد أهداه القدر بالشاحن الخاص به بعدما فقد الضلع الثالث "الضيف أحمد".. كافأه القدر بدلال عبد العزيز نتيجة إخلاصه في استخدام موهبته.. هي المُحفز، وحبل البهلوان، وهدير تصفيق الجمهور، وواحة الراحة، والرفيق المستحيل.. والرفيق المستحيل نادر الوجود، فهو يٌصنع لاستخدام شخص معين، بمواصفات خاصة جينيا وسحريا، لا تسمح لشخص آخر باستخدامه، تنسحب منه طاقة الحياة وينطفئ بانطفاء شعلة الآخر، متلقي الطاقة !!
اعتاد الرئيس عبد الناصر تكريم عمالقة الفنون في عيد العلم، كرم سمير غانم الشهير بفطوطة!! غالبا لأن أطفال مصر والعالم العربي أحبوه.. مر الزمن ، وظل فطوطة ساكنا سمير غانم، تدهشنا براءة ألعابه على المسرح، وعمق فلسفته في الحياة!! إنسان نقي القلب يبحث الله عن أمثاله كما عن إبرة في كوم قش!! البشر أكوام قش غليظة القلوب، تنافق وتكذب وتعبد سيدا واحدا، المال!! يضيع عمرها في المصارعة لاصطياد المال والحفاظ عليه أواستعادته، يجرفها التيار ويجردها من إنسانيتها، فتصل المرفأ وحيدة، أسلحتها دمرتها!
وفاة سمير غانم رفعت عنه قناع البهلون، غمرنا أسف، وداهمنا فراغ الفقد، وخفقت قلوبنا ونحن نستعيد ذكريات مراحل حياتنا منذ الطفولة.. بصماتنا وآثار عمرنا مرتبطة بأعماله الفنية كشاهد إثبات على وجودنا!! التفتنا إلى دلال عبد العزيز، ونحن نواسي أنفسنا بوجودها، اكتشفناها!! كم أنت عظيمة وملحمية!! كيف توهجت بهذا القدر من الصدق!! كيف لعبت كل الأدوار، وسلًمتِ كل الرسائل الشخصية والعامة بهذا النبل وهذه الأمانة!! كيف أضأت مصابيح قلوب وعقول شعب!! كم تحملت من أشواك الطريق!! خرجت من ظل سمير بسرعة، وأضاءت مصابيحك من فيض أضواء محبتك وتضحياتك.. فانعم الله عليكما بزهرتين تَشعٍان بخليطكما الساحر.. مزيج العطر والتراتيل.. جيناتكما قوية، ثمارها فواحة، دينا دلال عبد العزيز، وايمي سمير غانم.. أساس متين شمسه لن تغيب.. ارتباط سمير ودلال على الأرض منحنا عزاء تقبل عدم انفصالهما في الآخرة.. رحلتما بوسام المحبة، كنتم أحد دعائم الأسرة المصرية، ليبارك الله نسلكما.
-------------------------
بقلم: منى ثابت